عن دار «العربي» بالقاهرة، صدرت رواية «العودة إلى الشمال»، للكاتب الكندي ميشال جان، التي تتناول العالم المنسي والثري إنسانياً وحضارياً للسكان الأصليين بكندا، لا سيما قبيلة «الإينو». وتقوم الحبكة في العمل الذي ترجمته يارا أيمن على قصة حب تتسم بالنعومة والعذوبة، لتصبح مدخلاً لفهم واستكشاف ثقافة مختلفة تعاني الانطباعات المغلوطة والأحكام الجاهزة المسبقة.
تحكي القصة كيف تقع ألماندا سيميون في حب شاب من قبيلة «الإينو» من السكان الأصليين، فحين رأته ذات مرة وهو يبحر بقاربه في البحيرة شعرت بأنها تريد أن تصعد معه على متن ذلك القارب وترحل معه إلى عالمه، وهو ما حدث بالفعل حين يتزوج الاثنان، وتنضم إليه وإلى عائلته في رحلتهم الممتدة لمقاومة الطبيعة والتعايش معها في الوقت نفسه. مع الوقت تعتاد ألماندا إيقاع هذه الحياة، وتُعد نفسها من السكان الأصليين. في حكايتها تلك، يكاد القارئ يشعر كأن صوتها يخرج من بين السطور وهي تحكي عن ذلك الشعب الذي توحد مع الطبيعة، ولغته التي تخرج في أصوات هي أصوات الطبيعة، ويكاد يشعر كذلك بحركة الرياح بين الأشجار العالية والثلج الذي يغطي كل شيء، كما سيشعر كذلك بحزنها على الغابات التي قُطعت، ولكن إيمانها بأن شعبها وعاداته لن يختفيا تماماً يطمئنها ويمنح الأمل للقارئ بأن كل شيء ممكن، كأنه هناك معها يرى ما تراه، ويشعر بما تشعر به وسط الغابات في عالم «الإينو» الخاص والبعيد عن العالم.
والمؤلف ميشال جان هو أديب وصحافي كندي، ويعمل مذيعاً إخبارياً بإقليم «كييك»، نشر له كثير من الأعمال الروائية منها: «المبعوث الخاص»، و«عالم ميت مثل القمر»، و«حياة للحب»، و«الريح تتحدث مرة أخرى»، و«الحزن الجميل» و«تسونامي».
ومن أجواء الرواية نقرأ:
«نشأت في عالم، إذ تقرر الفصول الأربعة ترتيب الأشياء وتنظيم الأمور، عالم بطيء الوتيرة، يأتي فيه الخلاص من قطعة أرض يجب حرثها مراراً وتكراراً. كان أقدم ذكرياتي عن الكوخ الذي عشنا فيه أنه لم يكن أكثر من مجرد منزل خشبي بسيط من منازل الاستيطان، مبنى مربع، سطحه مائل من الناحيتين، وله نافذة أمامية واحدة. في الخارج طريق رملية، وخلف المنزل يوجد حقل كان جزءاً من الغابة، ولكنه انفصل عنها بفضل المجهود البشري الضخم. كانت تربة صخرية يعاملها الرجال كالكنز، يعملون بها، يزردونها بالسماد، يخلصونها من الصخور، وبالمقابل لم تزودهم بشيء سوى خضراوات لا طعم لها، إلى جانب بعض القمح والعلف الذي تتغذى عليه الأبقار التي تدر لهم الحليب. والحصاد إما يكون جيداً وإما لا، كل شيء يعتمد على الطقس، والرب هو الذي يقرر، بحسب ما يقوله القس.
لا أتذكر شيئاً عن والديّ، في كثير من الأحيان كنت أحاول أن أتخيل وجهيهما، والدي طويل وقوي البنية وصارم، ويداه قويتان. أما أمي فشقراء، وعيناها زرقاوان مثل عينيَّ. ملامح ناعمة دافئة وحنونة. لا وجود لهما إلا في خيالي الطفولي، ولكن من يدري كيف كان شكلهما في الحقيقة؟ هذا لا يهم، لكنني أفضل أن أتخيلهما وهما يتمتعان بالقوة واللطف. نشأت مع سيدة ورجل ناديتهما بعمتي وعمي، لا أعرف هل كانا يحبانني أم لا، لكنهما اعتنيا بي. توفيا منذ فترة بعيدة، واحترق المنزل الذي يقع في نهاية نهر (ألا شاس)، لكن لا تزال الأرض موجودة، وهناك حقول في كل مكان، أصبح المزارعون الآن يحكمون قبضتهم على أراضيهم المحيطة ببحيرة (بيكواكامي). اشتدت الرياح وضربت وجهي المرهق، يرتفع ماء البحيرة ويهبط، وأنا لست سوى مجرد عجوز رأت الكثير. على الأقل لا يمكنهم أن يمسوكِ بأي سوء يا بحيرتي، أنتِ لا تتغيرين».